مع بداية كل عدوان إسرائيلي شامل على قطاع غزة، يتصاعد نقاش متكرر عن جدوى هذه الحرب فلسطينيا، وعن الأسباب التي أدت إليها، وإن كان بالإمكان تجنبها أم أنها كانت أمرا لا فكاك منها.
النقاش يتدرج في طبيعته ونوعية أسئلته حسب الفئات التي تمارسه، ولعل أشده إثارة للغثيان هو ذلك الجدل الذي يقوده كتاب ومثقفون على خصومة معلنة مع “المقاومة” ومع التيارات الإسلامية على حد سواء، ما جعلهم يمتلكون الوقاحة، في بعض الأحيان، إلى حد الاتهام المباشر لحركة حماس بأنها هي المسؤولة دائما عن الحرب، وأن إسرائيل لم تقم بعدوانها إلا مضطرة للرد على استفزازات حماس.
ولأن هذه الفئة معزولة شعبيا، وتفتقد إلى أي أساس علمي في الطرح سوى انحيازاتها المعلنة لدول المحور العربي- الصهيوني، فإنها لا تستحق النقاش، ويكفيها “شرفا” أن مقالات كتابها تنقل بشكل مكثف في مواقع الحكومة الصهيونية ووزارة خارجيتها الناطقة باللغة العربية.
وبعيدا عن هذه الفئة من “النخب”، فإن الحروب الثلاثة الأخيرة ضد قطاع غزة أثارت نقاشا حول هذا الموضوع بين كتاب ومثقفين ينطلقون في طرحهم من الحرص على الشعب الفلسطيني، والرغبة في تجنيب أهالي قطاع غزة ويلات الحرب التي عانوا منها ثلاث مرات خلال ستة أعوام، وهو ما يجعل الإجابة على التساؤل المطروح ضروريا، بعيدا عن الكليشيهات الممجوجة من قبيل “أهل مكة أدرى بشعابها”.
والحقيقة أن لا أحد يريد رؤية عذابات وتضحيات الشعب الفلسطيني تحت القصف، وخصوصا في ظل التفوق الهائل للقدرات العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين، وفي ظل تراجع الحسابات الإسرائيلية لما قد تسببه جرائمها من ضغوط دولية خجولة، بعد أن جربت ممارسة هذه الجرائم في اعتداءاتها المتتالية على غزة، وقد بدا واضحا في خطابات قادة حماس أكثر من مرة، أن الحركة لا تغفل في حساباتها الثمن الكبير الذي يدفعه الشعب الفلسطيني في غزة تحديدا كنتيجة للحروب الإسرائيلية.
فلماذا لم تتجنب حماس الحرب إذا كانت حريصة على الفلسطينيين؟ ولماذا انجرت، أو تسببت حسب البعض، في ثلاثة حروب دمرت الكثير من البنية التحتية، وحصدت الكثير من الأرواح والإصابات؟
الأمر الأول الذي يجب تثبيته للإجابة على هذا التساؤل، هو أن الحرب الأخيرة عمليا بدأت باغتيال 9 من المقاومين في عمليتين منفصلتين، منهم ستة من كتائب القسام، وهو ما استجلب ردا من حماس وكتائب المقاومة الأخرى على خرق الهدنة من الجانب الصهيوني. صحيح أن هناك بعض المرات القليلة التي خرقت فيها الهدنة من قبل فصائل فلسطينية صغيرة، ولكن الفصائل الكبيرة عموما التزمت بالهدنة منذ نهاية العدوان الإسرائيلي في العام 2012، مع بعض الخروقات البسيطة، التي يقابلها خروقات صهيونية متكررة، سواء لجهة الاغتيالات، أو عبر إغلاق المعابر التي كان فتحها جزءا من تفاهمات الهدنة الموقعة عام 2012. ولذلك فإن اتهام حماس بالمسؤولية عن الحرب الأخيرة يجانبه الصواب، إلا إذا كان أصحابه يرون أن على حماس وحركات المقاومة الأخرى أن تغض الطرف عن كل الخروقات الصهيونية للهدنة، مهما عظمت وزاد صلفها!
وإذا تجاوزنا هذه الحرب الأخيرة، فإن النقاش يجب أن ينتقل للمستوى الاستراتيجي في تأصيل طبيعة العلاقة بين أي دولة محتلة وشعب يقع تحت الاحتلال، حيث أن الوضع الطبيعي في هذه العلاقة هو الصراع بمختلف مستوياته؛ بما فيه الصراع العسكري. ومن المعروف أن التاريخ لم يشهد حربا متكافئة بين أي دولة احتلال والشعب الذي تحتله، ومع ذلك فإن التاريخ يسجل أن أغلبية الشعوب التي خضعت للاحتلال ظلت تقاوم المحتلين برغم اختلال ميزان القوى، والتفوق النوعي لهؤلاء المحتلين، وبرغم الفارق الهائل في الخسائر البشرية ومستوى التضحيات التي قدمتها الشعوب المحتلة على مذبح الحرية على مر العصور.
وإضافة لذلك، فإن حسابات الربح والخسارة تختلف في حالات مقاومة الشعوب الخاضعة للاحتلال عن تلك الحسابات للحروب التقليدية بين الدول المتكافأة. وهنا من الضروري أن يظل هذا الاختلاف واضحا في النقاش الدائر حول الانتصار والهزيمة، إذ أن انتصار الدولة المحتلة ليس له سوى معنى واحد وهو إخماد المقاومة والقدرة على ممارسة الاحتلال دون ثمن، فيما يعتبر أي إنجاز على صعيد زيادة تكلفة الاحتلال نصرا للمقاومة، يجب أن يضاف إلى انتصاراتها التراكمية، ولو كانت حركات المقاومة مطالبة بالانتصار الكامل- بالمعنى التقليدي- على الدول المحتلة من أول معركة أو في كل معركة، لما قاوم أي شعب محتليه، ولما تحرر أي شعب من الاحتلال!
ومع ذلك، فإن حركة حماس وحركات المقاومة الأخرى، مطالبة بتقديم كشف حساب لشعبها بعد انقشاع غبار المعركة، لأن الحاضنة الشعبية هي مصدر القوة والأخير بعد الله، لحركات المقاومة، ولأن السكوت في حضرة المقاومة أثناء الحرب؛ لا يعني أن هذه المقاومة منزهة عن النقد
النقاش يتدرج في طبيعته ونوعية أسئلته حسب الفئات التي تمارسه، ولعل أشده إثارة للغثيان هو ذلك الجدل الذي يقوده كتاب ومثقفون على خصومة معلنة مع “المقاومة” ومع التيارات الإسلامية على حد سواء، ما جعلهم يمتلكون الوقاحة، في بعض الأحيان، إلى حد الاتهام المباشر لحركة حماس بأنها هي المسؤولة دائما عن الحرب، وأن إسرائيل لم تقم بعدوانها إلا مضطرة للرد على استفزازات حماس.
ولأن هذه الفئة معزولة شعبيا، وتفتقد إلى أي أساس علمي في الطرح سوى انحيازاتها المعلنة لدول المحور العربي- الصهيوني، فإنها لا تستحق النقاش، ويكفيها “شرفا” أن مقالات كتابها تنقل بشكل مكثف في مواقع الحكومة الصهيونية ووزارة خارجيتها الناطقة باللغة العربية.
وبعيدا عن هذه الفئة من “النخب”، فإن الحروب الثلاثة الأخيرة ضد قطاع غزة أثارت نقاشا حول هذا الموضوع بين كتاب ومثقفين ينطلقون في طرحهم من الحرص على الشعب الفلسطيني، والرغبة في تجنيب أهالي قطاع غزة ويلات الحرب التي عانوا منها ثلاث مرات خلال ستة أعوام، وهو ما يجعل الإجابة على التساؤل المطروح ضروريا، بعيدا عن الكليشيهات الممجوجة من قبيل “أهل مكة أدرى بشعابها”.
والحقيقة أن لا أحد يريد رؤية عذابات وتضحيات الشعب الفلسطيني تحت القصف، وخصوصا في ظل التفوق الهائل للقدرات العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين، وفي ظل تراجع الحسابات الإسرائيلية لما قد تسببه جرائمها من ضغوط دولية خجولة، بعد أن جربت ممارسة هذه الجرائم في اعتداءاتها المتتالية على غزة، وقد بدا واضحا في خطابات قادة حماس أكثر من مرة، أن الحركة لا تغفل في حساباتها الثمن الكبير الذي يدفعه الشعب الفلسطيني في غزة تحديدا كنتيجة للحروب الإسرائيلية.
فلماذا لم تتجنب حماس الحرب إذا كانت حريصة على الفلسطينيين؟ ولماذا انجرت، أو تسببت حسب البعض، في ثلاثة حروب دمرت الكثير من البنية التحتية، وحصدت الكثير من الأرواح والإصابات؟
الأمر الأول الذي يجب تثبيته للإجابة على هذا التساؤل، هو أن الحرب الأخيرة عمليا بدأت باغتيال 9 من المقاومين في عمليتين منفصلتين، منهم ستة من كتائب القسام، وهو ما استجلب ردا من حماس وكتائب المقاومة الأخرى على خرق الهدنة من الجانب الصهيوني. صحيح أن هناك بعض المرات القليلة التي خرقت فيها الهدنة من قبل فصائل فلسطينية صغيرة، ولكن الفصائل الكبيرة عموما التزمت بالهدنة منذ نهاية العدوان الإسرائيلي في العام 2012، مع بعض الخروقات البسيطة، التي يقابلها خروقات صهيونية متكررة، سواء لجهة الاغتيالات، أو عبر إغلاق المعابر التي كان فتحها جزءا من تفاهمات الهدنة الموقعة عام 2012. ولذلك فإن اتهام حماس بالمسؤولية عن الحرب الأخيرة يجانبه الصواب، إلا إذا كان أصحابه يرون أن على حماس وحركات المقاومة الأخرى أن تغض الطرف عن كل الخروقات الصهيونية للهدنة، مهما عظمت وزاد صلفها!
وإذا تجاوزنا هذه الحرب الأخيرة، فإن النقاش يجب أن ينتقل للمستوى الاستراتيجي في تأصيل طبيعة العلاقة بين أي دولة محتلة وشعب يقع تحت الاحتلال، حيث أن الوضع الطبيعي في هذه العلاقة هو الصراع بمختلف مستوياته؛ بما فيه الصراع العسكري. ومن المعروف أن التاريخ لم يشهد حربا متكافئة بين أي دولة احتلال والشعب الذي تحتله، ومع ذلك فإن التاريخ يسجل أن أغلبية الشعوب التي خضعت للاحتلال ظلت تقاوم المحتلين برغم اختلال ميزان القوى، والتفوق النوعي لهؤلاء المحتلين، وبرغم الفارق الهائل في الخسائر البشرية ومستوى التضحيات التي قدمتها الشعوب المحتلة على مذبح الحرية على مر العصور.
وإضافة لذلك، فإن حسابات الربح والخسارة تختلف في حالات مقاومة الشعوب الخاضعة للاحتلال عن تلك الحسابات للحروب التقليدية بين الدول المتكافأة. وهنا من الضروري أن يظل هذا الاختلاف واضحا في النقاش الدائر حول الانتصار والهزيمة، إذ أن انتصار الدولة المحتلة ليس له سوى معنى واحد وهو إخماد المقاومة والقدرة على ممارسة الاحتلال دون ثمن، فيما يعتبر أي إنجاز على صعيد زيادة تكلفة الاحتلال نصرا للمقاومة، يجب أن يضاف إلى انتصاراتها التراكمية، ولو كانت حركات المقاومة مطالبة بالانتصار الكامل- بالمعنى التقليدي- على الدول المحتلة من أول معركة أو في كل معركة، لما قاوم أي شعب محتليه، ولما تحرر أي شعب من الاحتلال!
ومع ذلك، فإن حركة حماس وحركات المقاومة الأخرى، مطالبة بتقديم كشف حساب لشعبها بعد انقشاع غبار المعركة، لأن الحاضنة الشعبية هي مصدر القوة والأخير بعد الله، لحركات المقاومة، ولأن السكوت في حضرة المقاومة أثناء الحرب؛ لا يعني أن هذه المقاومة منزهة عن النقد
ليست هناك تعليقات: